انضم إلينا
تسجيل عضوية جديدة

نظرة على مؤشرات الطلب والعرض في سوق النفط 

3dltسنة واحدة

استعرضنا في مقالات سابقة التوقعات المختلفة لاتجاهات أسعار النفط خلال النصف الثاني من عام 2023 وما يليه. ركزنا في هذه المقالات على دراسة تأثير أداء الاقتصاد الكلي والسياسات النقدية في مختلف بلدان العالم على توجهات المستثمرين تجاه أسواق النفط والطاقة عمومًا.

نُلقي الضوء في هذه المقالة على بعض الإحصائيات المرتبطة بمستويات الطلب والعرض والمخزونات والأسعار وأنشطة التكرير، كما نستعرض بعض الأرقام المتعلقة بتدفق الصادرات والواردات حول العالم.

تشير التوقعات إلى أن الطلب على النفط سيسجل بنهاية العام الحالي نحو 2.2 مليون برميل ليصل إلى مستوى قياسي جديد عند 102.3 مليون برميل يوميًا. برغم ذلك، يمثل هذا الرقم انخفاضًا من التقديرات الأولية التي أعلنت عنها وكالة الطاقة الدولية في وقت سابق بنحو 220 الف برميل يوميًا، حيث توقع تقرير مايو أن تبلغ الزيادة السنوية في الطلب 2.4 مليون برميل يوميًا. 

يغذي هذا النمو التاريخي قوة الطلب في الصين، والتي كانت ولا تزال المحرك الرئيسي لارتفاعات الأسعار منذ بداية الألفية الجديدة. تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن حجم استهلاك الصين قد بلغ مستوى قياسي في أبريل الماضي عند 16.3 مليون برميل يوميًا. برغم ذلك، تشير إحصاءات المنظمة الدولية، والتي تتخذ من باريس مقرًا لها، إلى تباطؤ ملحوظ في الطلب على النفط في الصين اعتبارًا من 2024. يعزى ذلك إلى تباطؤ الزخم القوي الذي أحدثه التخلي عن سياسة ’صفر كوفيد‘، جنبًا إلى جنب مع زيادة التوجه نحو الاعتماد على السيارات الكهربائية.

زيادة قياسية في حجم الاستثمارات المنفقة على مشروعات استخراج النفط والغاز

نمت هذه الاستثمارات بنحو 11% على أساس سنوي في 2023 لتسحل 528 مليار دولار، وهو أعلى مستوى منذ عام 2015. يعني ذلك أن السنوات القادمة ستحمل في طياتها طاقة إنتاجية فائضة قد تعيد للأذهان الصراع بين الدول المنتجة للحفاظ على حصتها في السوق العالمية، وهو ما قد يدفعها إلى التملص من التزاماتها المتعلقة بخفض الإنتاج كما حدث في فترات سابقة. وبشكل عام، من المتوقع أن تضيف الدول المنتجة طاقة إنتاجية بنحو 4 ملايين برميل يوميًا، والتي ستتركز معظمها في الشرق الأوسط.

في جانب العرض، ستقود الدول المنتجة من خارج تحالف أوبك+ الزيادة في المعروض العالمي، حيث من المتوقع أن تضيف 1.9 مليون برميل يوميًا في 2023 و1.2 مليون برميل في 2024. وبالنسبة للكارتل النفطي، من المرجح أن ينخفض حجم الإنتاج اليومي بمقدار 200 ألف برميل خلال العام القادم في ظل السياسات التي تنتهجها الدول الأعضاء لدعم الأسعار من خلال خفض الإنتاج، والتي تزايدت خلال الآونة الأخيرة مع تطوع دول مثل السعودية وروسيا بتقليص صادراتها حتى بعيدًا عن الترتيبات الجماعية.  

وتشير التقديرات إلى أن البلدان خارج تحالف أوبك+ ستضيف نحو 5.1 مليون برميل يوميًا بحلول 2028، وذلك بقيادة الولايات المتحدة والبرازيل. وبشكل عام، من المرجح أن يبلغ حجم المعروض العالمي بحلول نهاية 2023 نحو 101.3 مليون برميل يوميًا ثم يرتفع بنحو مليون برميل في العام التالي.

تراجعت صادرات النفط الروسية بنحو 260 ألف برميل يوميًا في مايو لتسجل 7.8 مليون برميل. وبرغم العقوبات الغربية المشددة على موسكو في محاولة لإثنائها عن مواصلة حملتها العسكرية في أوكرانيا، إلا أن مستويات الإنتاج لازالت قريبة مما كانت عليه حتى قبل بدء الغزو. استحوذت الصين والهند على نحو 60% من إجمالي الصادرات الروسية، وذلك في محاولة للاستفادة من رخص الأسعار التي تعرضها موسكو لإغراء الدول المستهلكة بتجاهل العقوبات الأمريكية.

إذا ألقينا نظرة على أنشطة التكرير العالمية، فمن المتوقع أن ترتفع الطاقة الإنتاجية للمصافي بمقدار 1.8 مليون برميل يوميًا في عام 2023، على أن تزيد بمليون برميل إضافي في العام المقبل بحيث يبلغ متوسط حجم الإنتاج 83.4 مليون برميل في اليوم. يأتي مصدر الزيادة الرئيسي من المرافق الجديدة التي أضافتها دول مثل عمان والكويت، كما يزداد نشاط مصافي التكرير في آسيا وسط شراهة ملحوظة لشراء النفط الروسي.

سجلت مخزونات النفط العالمية ارتفاعًا بمقدار 10 ملايين برميل في أبريل مع سعي الولايات المتحدة لإعادة ملء مخزوناتها الاستراتيجية بعد أن تراجعت أسعار النفط إلى حدود المستوى 70$ للبرميل. وكانت إدارة بايدن قد لجأت إلى السحب من الاحتياطيات المحلية عدة مرات في محاولة لكبح جماح الارتفاعات القياسية في الأسعار، والتي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا ثم قرارات أوبك+ بخفض الإنتاج على مدار العام الماضي.

تأثير إجراءات الخفض التي تلجأ إليها دول أوبك+ لا يزال غير مؤكد في ظل تزايد الإنتاج من بعض البلدان غير المستقرة مثل نيجيريا وليبيا. كما لا ننسى اتساع عمليات تهريب النفط من روسيا وإيران وفنزويلا، والتي ربما تتغافل عنه الولايات المتحدة والدول الغربية للمساعدة في احتواء الأسعار. 

توقعات المدى المتوسط

يشير تقرير وكالة الطاقة الدولية إلى أنه بناءً على اتجاهات السوق والسياسات الحكومية الحالية، من المتوقع أن يرتفع الطلب على النفط بحدود 6% خلال الفترة من 2022 وحتى 2028 ليصل في نهاية المطاف إلى 105.7 مليون برميل يوميًا. وكما أشرنا آنفًا، من المتوقع أن ينخفض الطلب على وقود النقل بعد 2026 بالتوازي مع زيادة معدل استخدام السيارات الكهربائية، والوقود الحيوي، فضلاً عن إجراءات تحسين كفاءة الاستهلاك وغيرها من سياسات الطاقة الخضراء.

تهيمن الولايات المتحدة على زيادة المعروض من خارج أوبك+، وإن كان من المتوقع أن تنخفض الزيادة في الإنتاج اليومي من 1.9 مليون برميل إلى 1.2 مليون برميل يوميًا. يعزى ذلك إلى التغيرات في استراتيجيات شركات النفط الصخري، والتي يعزى إليها الفضل في تحول الولايات المتحدة إلى مصدر صافي للنفط للمرة الأولى منذ عام 1949. واستفادت شركات النفط الصخري من الدروس القاسية التي تعلمتها في السنوات السابقة، حيث لجأت إلى الاستثمار بكثافة في زيادة الإنتاج في أوقات ارتفاع الأسعار، إلا أن هذه الطاقة الضخمة تتحول إلى عبء ثقيل حين تبدأ دورات الانخفاض. لذا لجأت هذه الشركات إلى التركيز على تعزيز هوامش الأرباح من خلال خفض النفقات ومحاولة الاستفادة من ارتفاعات الأسعار بدلاً من زيادة الإنتاج، وهي استراتيجية أقرب إلى تلك التي تتبعها منظمة أوبك رغم أنها كانت مثار انتقاد واتهامات بالاحتكار من قبل الولايات المتحدة على مدار عقود.

 

التعليق

أقرأ ايضا
قراءة المزيد